مفاجآت أكتوبر الانتخابية- هل يقلب الشرق الأوسط نتائج الرئاسة الأمريكية؟

المؤلف: د. جمال قاسم10.05.2025
مفاجآت أكتوبر الانتخابية- هل يقلب الشرق الأوسط نتائج الرئاسة الأمريكية؟

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، يعيش المعسكر الانتخابي حالة من الترقب الحذر بشأن ما قد يخبئه شهر أكتوبر/تشرين الأول من تحولات غير متوقعة، وسط منافسة شرسة بين المرشحين.

"مفاجأة أكتوبر/تشرين الأول" هو مصطلح سياسي راسخ في قاموس الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يشير إلى حدث ذي تأثير كبير، سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا أو حتى فضيحة أخلاقية، يقع في شهر أكتوبر/تشرين الأول، في أوج الحملات الانتخابية، ويمكن أن يغير مسار السباق الرئاسي.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم

list 2 of 2

"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟

end of list

في ظل التغطية الإخبارية المتواصلة التي لا تهدأ، والتي تتسابق على الإثارة على مدار الساعة، يمكن لمثل هذه المفاجآت أن تقلب موازين القوى في الانتخابات، وأن تدفع بأحد المتنافسين نحو كرسي الرئاسة في البيت الأبيض.

من بين أبرز "مفاجآت أكتوبر/تشرين الأول" التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يبرز ظهور شريط فيديو لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، قبل انتخابات عام 2004، والذي بثته قناة الجزيرة، مسجلةً بذلك سبقًا صحفيًا تاريخيًا، إذ كسرت هيمنة الإعلام الغربي على الأخبار العالمية.

في رسالته المتلفزة، ربط بن لادن الهجمات التي شنها تنظيمه بالسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، دون أن يهدد بشن المزيد من الهجمات. ورغم أن التوقيت كان مفاجئًا للغاية، قبل أيام معدودة من الانتخابات، فقد رأى البعض في الفيديو دعمًا لموقف الرئيس جورج بوش الابن، الذي سعى لتقديم نفسه كقائد حازم في الحرب على الإرهاب.

لقد أسهم ظهور بن لادن في تعزيز مخاوف وقلق الناخب الأمريكي حيال خطر الإرهاب، وهو ما انعكس إيجابًا على شعبية بوش، على حساب منافسه جون كيري، الذي تصوره الجمهور أقل قدرة على مواجهة هذا التحدي.

لقد جاء شريط بن لادن في لحظة حرجة، بينما كان كيري قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نصر انتخابي على الرئيس بوش، ليقلب الموازين في اللحظات الأخيرة، ويعيد إلى الأذهان ذكريات هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المروعة في نيويورك وواشنطن، ويؤكد أهمية مواصلة الحرب على الإرهاب.

وهكذا، خسر كيري السباق الرئاسي بسبب شريط فيديو لم يتوقعه، صادر عن شخص يختبئ في جبال تورا بورا الوعرة في أفغانستان.

خسارة هيلاري كلينتون الانتخابات بسبب رسالة

حتى يومنا هذا، لا تزال هيلاري كلينتون تلقي باللوم على جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق، في خسارتها انتخابات عام 2016، بسبب رسالته المثيرة للجدل التي أرسلها إلى قادة الكونغرس قبل أيام من الانتخابات، وأخبرهم فيها بالعثور على رسائل بريد إلكتروني مفقودة تخص كلينتون خلال فترة توليها منصب وزيرة الخارجية.

لقد أعادت "مفاجأة أكتوبر/تشرين الأول" تلك إلى أذهان الناخبين شكوكًا قديمة أثارها دونالد ترامب، المرشح الجمهوري آنذاك، حول مدى أهلية كلينتون للحفاظ على أسرار الدولة.

تجدر الإشارة إلى أن هيلاري كلينتون نفسها قد نشرت مقالًا في الأسابيع الأخيرة، حذرت فيه حملة هاريس الانتخابية من مخاطر "مفاجأة أكتوبر/تشرين الأول" وتأثيرها المحتمل على نتائج الانتخابات.

لم تنسَ هيلاري كلينتون أبدًا تلك المفاجأة التي حرمتها من الوصول إلى البيت الأبيض، بعد أن كانت على مقربة منه. والمثير للاهتمام أن حملة كلينتون في عام 2016 قد سربت مقطع فيديو شهيرًا في شهر أكتوبر/تشرين الأول نفسه، يُظهر ترامب وهو يتفاخر بقدرته على الحصول على أي امرأة يريدها، طالما أنه نجم مشهور في المجتمع الأمريكي.

إلا أن هذا التسريب الإعلامي لم ينجح في تغيير مسار الانتخابات، بسبب القاعدة الشعبية الصلبة التي يتمتع بها ترامب، والتي لم تتأثر بهذه المزاعم الأخلاقية أو حتى الإدانات القضائية اللاحقة.

لطالما تفاخر ترامب بقاعدته الانتخابية التي لا تتزعزع، والتي ستدعمه حتى لو رآه – كما قال في خطاب شهير – يقتل شخصًا ما في وضح النهار في أحد شوارع نيويورك.

يبقى وقوع هجوم إرهابي محدود أو عمل عنف سياسي واسع النطاق داخل الولايات المتحدة، قبل أو أثناء الانتخابات، أحد السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تشكل "مفاجأة أكتوبر/تشرين الأول" وتؤثر بشكل كبير على حظوظ المرشحين.

لقد استفاد ترامب بشكل كبير من محاولة اغتياله الفاشلة في شهر يوليو/تموز الماضي، والتي عززت فرص فوزه الانتخابية، لولا انسحاب الرئيس بايدن المفاجئ من السباق، تاركًا المجال لنائبته هاريس لخوض المعركة، وهو حدث نادر الحدوث في التاريخ السياسي الأمريكي.

في بعض الأحيان، يمكن للأزمات الاقتصادية العميقة – مثل الكساد الاقتصادي لعام 2008، وأزمة الرهن العقاري التي كادت أن تطيح بالنظام المالي العالمي، وتداعيات جائحة كوفيد-19 – أن تحدد مسار الانتخابات الرئاسية، وأن تطغى على "مفاجآت أكتوبر/تشرين الأول".

استغل المرشحان أوباما وبايدن هاتين الأزمتين العالميتين لتحقيق فوز انتخابي على منافسيهما الجمهوريين، في وقت كان فيه الحزب الجمهوري يسيطر على البيت الأبيض في انتخابات عامي 2008 و2020 على التوالي.

نتنياهو وإيران ومفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول

في الانتخابات الحالية، لا تزال احتمالية حدوث "مفاجأة أكتوبر/تشرين الأول" مرتبطة بالشرق الأوسط والحرب في غزة قائمة، في ظل تصاعد العنف في غزة ولبنان، ورغبة نتنياهو في تحقيق أهدافه الخاصة في المنطقة.

قد يسعى نتنياهو أيضًا إلى تقديم خدمة لترامب لمساعدته على الفوز بالانتخابات، وتحسين العلاقات الشخصية بينهما، بعد الفتور الذي شابها عندما هنأ نتنياهو الرئيس بايدن بفوزه في انتخابات عام 2020.

يدرك نتنياهو تمام الإدراك أن الوقت ليس في صالحه لشن هجوم على إيران بعد الانتخابات الأمريكية، بسبب الضغوط الدولية والأمريكية المتزايدة. لذا، من المرجح أن يقدم نتنياهو على مهاجمة أهداف إيرانية قبل الانتخابات الأمريكية.

لقد تجاهل نتنياهو بشكل سافر جميع الخطوط الحمراء التي رسمتها إدارة بايدن، بما في ذلك شن هجوم على مدينة رفح والاستمرار في تجويع وانتهاك حقوق الفلسطينيين في غزة. وكلما اتخذ بايدن خطوات لتهدئة الأوضاع في المنطقة، رد نتنياهو على هذه الخطوات بتصعيد العنف وإشعال المزيد من الحرائق.

لا تزال الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على منطقة الشرق الأوسط هدفًا استراتيجيًا لحكومة نتنياهو، وهو هدف تعززه رؤية حكومته المتطرفة للفرص التي تتيحها الحرب الحالية.

وعلى الرغم من الرسالة التي وجهها وزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيان قبل يومين إلى حكومة نتنياهو، والتي دعوها فيها إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في غزة، فإن حكومة نتنياهو لن تولي أي اهتمام للنبرة التهديدية في هذه الرسالة الأخيرة، وستتجاهلها وتقلل من شأنها، كما فعلت مع التهديدات الأمريكية السابقة.

ستقوم حكومة نتنياهو بمهاجمة إيران عاجلًا – ربما قبل الانتخابات الرئاسية – بهدف جر الإدارة الأمريكية القادمة إلى حرب ضد إيران، التي تنازع إسرائيل على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.

لا شك أن الأيام القادمة ستكشف عن "مفاجأة أكتوبر/تشرين الأول" – إذا حدثت – في ظل انتخابات لم تشهد الولايات المتحدة مثيلًا لها من قبل، وفي ظل توترات إقليمية ودولية ستشكل ملامح العلاقات الدولية القادمة، حيث يشهد العالم استقطابًا حادًا وأزمات اقتصادية ومعدلات تضخم مرتفعة للغاية.

قد يكون الرئيس السابق ترامب هو المستفيد الأكبر من حدوث "مفاجأة أكتوبر/تشرين الأول"، وهو ما تستعد له حملة هاريس بكل الوسائل المتاحة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة